محرج جداً من الملكة إليزابيت ومن يومها وأنا منحوس
يمنات
فكري قاسم
كنت لم أزل شاباً فتياً عندما فزت بجائزة النص المسرحي في مسابقة جائزة العفيف الثقافية سنة 2003. وحصلت حينها على جائزة مالية قدرها شيك بمائة ألف ريال حوّلتني في يوم وليلة إلى واحد من كبار رجال المال والأعمال في العالم. ومش عارف إيش من حظ سيء كان معي أيامها. فبمجرد أن وقع الشيك في يدي، هلت المصائب علي من كل جانب، وبدا المجتمع الدولي كله طفران يخبط القملة بصميل! وهات يا إحراجات ويا مشاريع للثراء نصحني بها أصدقائي اللي خافوا يومها على مستقبلي، وبدأوا يقدمون لي الخطط تلو الخطط لاستثمار المائة ألف وتأمين مستقبلي!
أما عاقل الحارة، الله يبارك فيه، اتصل يهنئني بالفوز، ويبشرني بأن المطر خرب بيوت ناس غلابا في الحارة، مؤكداً أن منظمة الإغاثة الدولية قد تدفع نصف قيمة الإصلاح والترميم، والنصف الثاني من المبلغ عادهم يدوروا فاعل خير يتكرم ويدفعه! وهاذاك اليوم خرجت أمشي في الشارع، وفي رأسي ألف فكرة و مشروع أشتي اعملهن قبلما تقرح عليا الزلط. وبينما كنت أمشي على أقدامي في الشارع القريب من الحارة، شافني واحد من جيراني في الحارة وقال لي ساخراً:
– معك مائة ألف ياجني وماشي رجل..؟!
قلت سأركب «دباب» نقل عمومي. وانا يومها رايح البنك أستلم المبلغ، وشافني أحد الجيران الآخرين وأنا أتهيأ لركوب الباص العمومي، قال لي مستهجناً:
– معك مائة ألف وتركب من الفرزة..؟! ياخي دلع نفسك حتى يوم، آخرتها إلى الطين.
نزلت من فوق الباص ووقفت سيارة «أنجيز»، قلت عشان أرضي جاري وكمان عشان ألحق البنك بسرعة، لأن الساعة قد كانت 11 ظهراً وباقي لنهاية الدوام ساعة واحدة فقط.
وبمجرد أن فتحت باب التاكس الذي أوقفته، شافني واحد من الأصحاب وصاح ينبهني بوجوده وهو يقول:
– والله تطورت الإبل، ومن بعد الجائزة أبو مائة ألف ما عد يركبوا إلا تكاسي.
المهم وصلت البنك، واستلمت المائة ألف، وروحت البيت، وانا أفكر إيش من مشروع مستقبلي يمكنني القيام به قبلما تقرح عليا المائة ألف. وبينما كنت أفكر بالمشروع المستقبلي، باشرتني صحيفة «الحياة» اللندنية يومها بخبر أليم جداً آنذاك، قالت فيه إن الملكة إليزابيت تعاني من نقص شديد في السيولة المالية الخاصة بإقامة احتفالات عيد ميلادها السبعين!
كان نفسي – للأمانة – أتجمل معها، فهي ملكة أنا شخصياً أحبها، وتستاهل أقرضها المبلغ بأكمله ومن دون أي سند، وبودي أن أقوم بتلك المهمة عشان الملكة تفرح بعيد ميلادها، لكن الذي حدث معي بعد يومين فقط من استلام الشيك أن كل المقومات الإقتصادية لكل أصدقائي ومعاريفي المقربين كانت قد انهارت في هاذيك اليوم، ومحد في العالم كان معه مائة ألف ريال أيامها إلا أنا!
وما خبيش عليكم، أنني من كل ذلك المبلغ دلعت نفسي بثلاث تخزينات قات ضخمة، واشتريت لوالدتي تنور موفى غاز، وبقية المبلغ كله توزع سلف. ولو كنت شاطر ورجل مال وأعمال حقيقي، ما كنت فرطت بتلك الفرصة الذهبية، وكنت ساعدت الملكة إليزابيت بذلك المبلغ، وفاتنا الآن واحد من الأسرة المالكة، لكن الدبور دبور.
وإن لم تجعلني واحداً من الأسرة الحاكمة، أقلها كانت ستتجمل مني، وستصر أن أحضر شخصياً حفل عيد ميلادها السبعين، وما كنت سأبدو ضيفاً عادياً على الإطلاق، بل سأبدو واحداً من كبار الشخصيات المرموقة في الاحتفال ذاته. ولربما أن الملكة كانت ستصر علي أن أرافقها في جولة الـ30 دقيقة التي قامت بها من قصر بيكنغهام إلى كاتدرائية سانت بول على ظهر عربة مرصعة بالذهب، يجرها حسب البروتكول الملكي ثمانية خيول وحمار واحد لم يحالفه حظ التجمل مع الملكة.
و كنت سأرافقها حتماً إلى قلعة دندسور، حيث الإحتفال البهيج والموسيقى، وزحمة الضيوف، وكذا – وهو الأهم – إلى حيث همس المعجبات اللواتي كنت – حتماً – سأسحرهن بنظراتي العربية الممحصة! ولا يستبعد – يومها – أن أسحب بساط الوسامة من الأمير وليام حفيد الملكة، إذ كنت سأكتسح حضوره تماماً، وبسهولة، وكان صياح المعجبات بي لحظتها سيملأ القاعة، وسيطلبن مني – دوناً عن الأمير – أن القي كلمة بهذه المناسبة السعيدة.
كنت سأبدأ كلمتي العصماء بالصلاة والسلام على النبي الكريم. كما سأؤكد للعائلة المالكة إيماني بالشراكة. وكان كل شيء كان سيذهب في صالحي لو أنني فعلاً وقعت شاطر يومها وفكيت زنقة الملكة. لكن من يخلي لك حالك؟!
و لو أنني كنت اقرضت مبلغ الجائزة للملكة، كان ممكن تتحسن معي الحظوظ، وألقى الملكة مصممة ومصرة أن تزوجني إحدى بناتها، وكنت سأصبح أنا والأمير تشارلز أنساب.
وأنا بصراحة محرج جداً من الملكة إليزابيت، ومحرج من نفسي لأنني منحوس من يومها.
المصدر: العربي
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا